بلدية من بلديات
ولاية أدرار.
لمحة تعريفية عن بلدية تمنطيط هي اسم بربري مركب من كلمتين أتما وتعني النهاية وتيط وتعني العين أي نهاية العين ، وهنالك من يقول بأن الترجمة الحرفية لكلمتي أتما وتيط هي الحاجب والعين ،وقد أدخلت على التسمية الأصلية بعض التعديلات بغية تسهيل النطق فأصبحت تمنطيط، يقول بابا حيدة: «...واسم تمنطيط عجمي ويقال أنه مركب من اسمين عجميين وهما أتمن وتيط ومعنى أتمن النهاية وتيط معناها العين بالعربية فتركب الاسمان وحذف الألفان اللذان في آخر أتمان وفي أول أنتط فكان الاسم على ذلك التركيب الخفيف ثم قلبت التاء طاء بإشباع فكانت تمنطيط وبها اشتهرت وأخبرني من أثق به بأن ابن خلـدون ذكرها و يقال لها تنتيط» ).

التحديدالجغرافي والإداري
تقع مدينة تمنطيط جنوب غرب مقر الولاية (أدرار) وتبعد عنها بنحو اثني عشر كيلو متر، وهي عبارة عن منخفض بمحاذاة وادي مسعود، يحدها من الشمال بلدية أدرار وبلدية أسبع ،ومن الجنوب بلدية فنوغيل، وشرقا أوقروت وتمقطن وغربا بودة، تشتمل على خمسة قصور وهي زاوية سيدي البكري تمليحة،أولاد سيدي وعلي،أولاد الحاج المامون،قصر توكي وتبلغ مساحتها 13700كلم وتعداد سكنها يصل إلى9500ن إحصاء 2007م ) (.
[المظاهر التضاريسية
بما أن تمنطيط جزء لا يتجزأ من منطقة توات، فقد أخذت عنها ملامحها الجغرافية ومظاهرها التضاريسية، فهناك السبخة في الناحية الشمالية للمدينة، كما يوجد الرق والعرق وينتشران في الجهة الشمالية الشرقية، إلى جانب الحمادات المتواجدة على مستوى الجهة الجنوبية الشرقية، مع إنعدام الهضاب والمرتفعات باستثناء تلك الموجودة في الجهة الغربية والشمالية الغربية.
[ المناخ
الجو في المدينة يمتاز بالبرودة شتاء والحرارة صيفا, فمعدل درجة الحرارة في الصيف يفوق50°مما يعيق الحركة ويسبب الخمول والكسل ،بينما الأمطار تكاد تكون منعدمة فهي نادرة التساقط ومعظمها يكون ما بين شهري أكتوبر وفيفري ، ويغلب عليها طابع الفجائية وسقوطها يكون سبب في إنعاش وتلطيف الجو ،فيرتفع معدل الرطوبة من 14%ما بين شهري مارس وأكتوبر ليصل إلى 45%في شهر ديسمبر ، مع العلم أن المعدل العام للرطوبة بالمنطقة لا يتعدى 50%بمتوسط سنوي يساوي 27%في الشهر، ) ( ومن المظاهر المناخية السائدة بالمدينة الرياح الموسمية ، خاصة رياح السير يكو الجنوبية المحملة بالزوابع الرملية والتي تهب على المدينة خـلال شهـري فيفري ومـارس بسرعة تصل إلى 100كلم /سا.)
[ المياه
إن الحديث عن المياه مقترن بالفقارة ، فتمنطيط إشتهرت ومنذ القديم بفقاراتها المتدفقة التي كان السكان يستخدمونها للشرب والسقي ولقضاء مختلف أعمالهم اليومية ،ولكنها اليوم أصبحت مهملة ؛ فبسبب المجهود العضلي التي تقتضيه عملية التصليح والصيانة تخلى الكثير من الأهالي عن نظام الفقارات ،واستبدلوه بنظام المضخات والحنفيات, ونتيجة لقلة العناية نضبت مياه بعض الفقارات وجفت بصورة كلية والمتبقي منها إنخفض منسوب مياهها وتراجع بصورة كبيرة .
[الثروة النباتية والحيوانية
الغطاء النباتي في تمنطيط قليل جدا ، ويتمثل في واحات النخيل المنتشرة بمحاذات القصور القديمة في الجهة الشمالية والشرقية والجنوبية لتمنطيط ،ولا تحتوي المدينة على أماكن مخصصة لتربية الحيوانات ،بل وجودها مقتصر على مستوى المنازل قصد الإستهلاك لا التجارة ،وتنحصر في الماعز والدواجن مع إنعدام تربية الجمال ، وتنتشر تربية الماعز خصوصا في قصر توكي الذي يقطنه الطوارق الملتحقين بالمنطقة حديثا .) المظاهر الاقتصادية
[ نشأة الفقارة
يشير بعض المؤرخين أمثال أشيلي" "J.cechalie وقوتي "E.f.gaitier " إلى أن اليهود ؛ هم أول من أدخل نظام الفقارة إلى تمنطيط عندما استوطنوها في القرن الرابع قـ ،هـ(1) ، بينما يرجع القاضي سيدي محمد بن عبد الكريم البكراوي نشأة الفقارة للقبائل الزناتية التي إستوطنت المنطقة في القرن الرابع هجري ، (2) ولصاحب القول البسيط وجهة نظرا مختلفة فبرأيه الأقباط المصريين الذين اغتادوا المنطقة في وقت مبكر؛ هم أصحاب نشأة أول فقارة وكان أسمها هنو، وعلى الرغم من انعدام الأدلة التاريخية التي تفصل في الأمر إلا أنه من المرجح أن يكون رأي صاحب القول البسيط هو الأصوب ففقارة هنو(3)، مهندسة بطريقة فنية رائعة بحيث تنساب مياهها تحت مساكن قصر تايلوت وأولاد اهمالي من الجنوب لتتجه شمالا صوب الواحات ، وهي تقنية مماثلة لتلك التي كانت موجودة في قصر الفرعون في مصر وهو ما أشار أليه القرآن الكريم، قال تعالى: )أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي((1) هذا من جهة، ومن جهة أخرى وبخلاف الفقارات الموجودة في تمنطيط ؛ ففقارة هنو لا يعرف منبع مياهها وحتى طريقة توزيع المياه فيها تختلف عن باقي الفقارة ، مما يدل على أنها الأولى و الفقارات الأخرى كانت إقتباسا عليها وقد وجدنا في بعض الكتب التي تتحدث على الديانة المصرية القديمة ؛ بأن هنو هو اسم آلهة مصرية كانت عبادتها منتشرة بين المصريين قبل الميلاد(2)، هذا ومن المحتمل أن تكون القبائل الزناتية هي المسؤولة ليس عن نشأة الفقارة وإنما عن تطورها والأستزادة منها لأن بعض الفقارات تحمل مسميات بربرية ، كأرمول ، مزز، تكرزيت ، التغجم ،قنباز، تزيقر( )، وتبقى فرضية اليهود هي الأضعف فالأدلة التاريخية تؤكد على أن يهود تمنطيط برعوا في قطاعي التجارة والصناعة وهيمنوا عليهما بشكل كبيرا وكان هذا هو سبب مزاحمة المغيلي لهم وأخراجهم من تمنطيط ، أما الزراعة فلم يكن لهم باع كبير فيها، ثم لو كانوا هم المسؤولون عن هندسة الفقارات فلما لا توجد ولو فقارة واحدة في تمنطيط تحمل أسما أو إشارة يهودية.
هندستها وآلية عملها
الفقارة هي عبارة عن سلسلة من الآبار مرتبطة ببعضها البعض تعرف محليا بالكراع ، تبعد كل واحدة عن الأخرى مسافة عشرة أمتار،أخذت شكل منحدر باتجاه الواحات ، وعند إقتراب المياه من الواحات تمر بآبار قريبة من السطح تدعى أغوسرو ومنها يتدفق الماء ليصل أخيرا إلى القسري ، وعلى حافته توجد العيون وهي الوحدات المستعملة لصرف المياه من القسري باتجاه البساتين، بعدما يحدد نصيب كل عين بدقة متناهية من طرف الكيال وهو الخبير بأسرار وحسابات مياه الفقارة، ويعتمد في تحديد نصيب كل عين على حجم مساهمة صاحب العين في الفقارة ؛ أي أن نصيب الماء يحدد بحسب عدد الأسهم ، فكلما كان عدد الأسهم كبيرا كلما كان النصيب من المياه أكثر والعكس صحيح، والقياس يكون باستخدام الحلافة وحدة القياس هي الحبة وتكون مجزأة إلى أربعة وعشرون قيراط والقيراط إلى أربعة وعشرون قيراط من القيراط ، فمثلا إذا كان نصيب الشخص أثنا عشرقيراط من القيراط فنصيبه يساوي 1/2 قراط ، وإذا كان له أربع قراريط من القراط فهو يملك 1/6 قراط فالتقسيم كان بشكل تنازلي من أكبر وحدة وهي الحبة إلى أصغر وحدة وهي قيراط من القيراط . بعد الانتهاء من توزيع حصص المياه تحفظ الحسابات في الزمام، وهو السجل الخاص بتقييد عمليات التوزيع والكيل، وبخلاف الفقارات المتبقية ؛ فإن مياه فقارة هنو توزع وفقا لعدد أيام الأسبوع ، فبعد إحصاء عدد المساهمين يوضع جدول زمني يحدد فيه يوم ووقت استفادة كل مساهم ؛ فمثلا يوم السبت يخصص لقبائل أولاد باعمر ، أولاد بابكر ، أولاد باعثمان ، آت صالح ، بحيث تبدأ وقت استفادة قبائل أولاد باعمرمن مياه الفقارة من وقت آذن الفجر حتى الضحى ،وأولاد بابكر من الضحى حتى الظهر ، ثم أولاد باعثمان من الظهر حتى المغرب وآت الصالح من المغرب حتى الفجر، وتحديد مدة الاستفادة يكون دائما مرتبط بحجم المساهمة . بعد الرحلة الطويلة يصل الماء أخيرا إلى البستان عبر الساقية ليستقر في الماجن، وهي حوض طيني تجتمع فيه المياه الآتية من الفقارة، وعند إمتلائها يفرغها صاحب البستان لتبدأ المياه رحلة جديدة ولكن هده المرة إلى المساحات المزروعة ، وأول خطوة يقوم بها البستاني هي نزع الصمامة ليبدأ الماء بالتدفق عبر الابادو إلى المطرق الذي يحتوي على عدد من القمون على أن تسقى كل وحدة على حدا ،فكلما أرتوت قمونة سد فاه بالتراب لينصرف المياه ودائما عبر أبدوا عبر الابادوإلى التي تليها ،وبهذه الطريقة الهندسية الرائعة ، كانت تسقى واحات النخيل في تمنطيط .
[] الا نتاج الزراعي
يغلب على الزراعة في تمنطيط الطابع المعيشي ؛ فالناس كانوا يزرعون بساتينهم ليقتاتون من خيراتها بالدرجة الأولى وفقط ما زاد عن الحاجة هو الذي كان يوجه للتسويق ، وقد فرضت عليهم الظروف المناخية لتمنطيط أنواع معينة ومحدودة من المزروعات ، كان أهمها النخيل والشعير و القمح ، أما النخيل فلأن واحات تمنطيط كانت واسعة فإنتاج التمور كان وفيرا وكميات هامة منه كانت توجه إلى السودان والباقي يستغل للاستهلاك المحلي ، فالتمر كان غداء رئسي لسكان إلى درجة أن أجرة العمال لم تكن تدفع نقدا بل تمرا أو قمحا وهناك أصناف عديدة منه : الشيخ أمحمد ، بنخلوف ،تقازة ، أدكلي ، تنقور ، أحرطان، ورقلة، تلمسو تناصر ، تقر بوش ......الخ بعض هذه الأنواع يتمتع بجودة عالية كبنخلوف وتقر بوش والشيخ أمحمد، وأخرى أقل جودة كتلمسو وتناصر ومن هذه الأنواع من لايصلح إستهلاكه إلا رطبا كبنخلوف والشيخ أمحمد ومنها ما يستهلك إما رطبا أو مجفف كتناصر ،تلمسو ،تقازة . وفي الدرجة الثانية من حيث الأهمية يأتي القمح والشعير ، وهما غداء ضروري لسكان يستهلكونه بصفة يومية تماما كالتمر ، وعرف سكان تمنطيط القدامى أنواعا كثيرة من القمح والشعير منها الرديء الجيد.
القمح
يصنف إلى لين وصلب ،أما الصلب فيشمل نوعين وهما :أما الركبة ومصرف ذو المذاق الذيذ، بينما يصنف شويطر وبلمبروك ضمن القمح اللين ،ويمتاز بالمبروك بكثافة سنابله وسرعة نضجه. ثانيا الشعير : وينقسم إلى ثلاثة أنواع : أزرار حباته تكون ملونة ،رأس المش شكل حبته يميل إلى الدائري، والصفرة لون حباته أصفر ويفصله السكان ؛ لأنه أسرع الأنواع نضجا كما زرعوا الحنة كمنتج تجاري.
مزروعات أخرى
والى جانب زراعة النخيل و القمح والشعير والحناء ، اهتم الناس بتربية الحيوانات المنزلية كالماعز والدواجن والحمير ، وبصورة قليلة الخيول فهي كانت متوفرة فقط لدى أعيان القصر والأشخاص المقتدرون ماليا.
[] قطاع الحرف والمهن التقليدية
لقد عرف السكان أنواع عديدة من الحرف التقليدية والصناعة اليدوية القديمة ومارسوها بشكل كبير، إما دخل المنازل أوفي الحوانيت ، وبرعوا خاصة في صناعة الفضة والحدادة والطين والنسيج بالإضافة إلى الصابون ومشتقات النخيل. 2-1 صناعة الفضة : حرف قديمة جدا أخذها أهل البلدة عن اليهود حسبما ورد عن أحد صائعي الفضة، وعندما سألنه عن مصدر روايته قال بأنه توارثها عن أجداده مثلما توارث عنهم الحرفة( )، وقد تكون روايته هذه على جانب كبير من الصحة ، فلطالما اشتهر اليهود بصياغة وصناعة الفضة والذهب في تمنطيط ، فقد ذكر بابا حيدة بأن عددهم وصل إلى ثلاثمائة وخمسون صائغا. والفضة كانت تحتل منزلة كبيرة فشهرتها فاقت شهرة الذهب لقلة وجوده واحتكاره من طرف اليهود، فمنها تصنع النقود وتصك الحلي التي تستخدمها النسوة لزينة، وصياغتها كانت تتم بطريقة مبسطة فلم تكن هناك قوالب لتشكيل الحلي، بل الأمر كان متروكا لخيال وإبداع الصائغ معتمدا على مهارته وقدرته الفنية في المجال ، فمثلا عندما يريد تشكيل قطعة ما من الحلي يبدأ بإحضار الفضة الخام التي جلبتها القوافل من السودان( )فيذيبها في القصرية وهي الإناء المخصص لذلك ، بعد انصهارها يتركها لتبرد ثم يضعها على الزبرة* وهنا يبدأ الخيال في الإبداع والأنامل في التشكيل ، ومن يبن المنتجات الفضية التي كانت المرأة التمنطيطية تتزين بها نذكر: الخلخال ـ الدباليز ـ لخواتم ـ الخراس (الأقراط ) ـ الخلالة ( ) وهي أشياء كانت نفيسة لا تلبس إلا في المناسبات السعيدة ، ولا تمتلكها سوى النسوة المترفات أو الميسورات حالا. 2-2 الحدادة :
هي حرفة قديمة بدليل وجود إحدى الزبرات لدى إحدى الحدادين توارثها عن أجداده نقش عليها 1327م ، وقد أومأ إلينا هذا الحداد في معرض حديثه عن إمكانية اعتبار مهنة الحدادة مهنة دخيلة على تمنطيط أدخلها جده الأول،عندما قصد المدينة أول مرة مهاجر إليها من اليمن( )، مستدلا ببقاء المهنة حكرا على عائلته منذ جده الأول وحتى يومنا هذا ، وعلى ما يبدو حرفة الحرفة الحدادة كانت محدودة واشتملت على صناعة وصيانة الفؤوس والمعاول والسكاكين وبعض الأسلحة .
2-3 صناعة الطين :
من أشهر الحرف في تمنطيط كانت تقتصر في القديم على صناعة الأواني الطينية ذات الاستخدامات المنزلية كالقدور والصحون والقلال ، ومع نهاية القرن الثاني عشر وبدية القرن الثالث عشر هـجري( )شهدت تمنطيط زيارات متكررة لبعض المستكشفين والرحالة الفرنسيين الذين أبدوا إعجابهم بتلك المصنوعات الطينية وإقتنوها كتحف ، فلما رأى السكان إقبالهم الشديد عليها عمدوا إلى تطورها وتنويعها ،فصنعوا المباخر والسماك*وهي منتجات تجارية تصلح لزينة فقط ، والتشكيل في البداية كان باليد اعتماد على قدرات الحرفي، ثم صممت القوالب فيما بعد مما جعل العمل أكثر سهولة. ولإعداد قطعة من الفخار الأسود التمنطيطي يجب إتباع الخطوات التالية( ):
بداية توضع الطين في إناء ويصب فوقها الماء وتترك لمدة يومين أو ثلاثة لتتخمر بشكل جيدا، بعدها تستخرج من الإناء وتوضع فوق لوح خشبي وتمزج بمادة تسمى الدفون تساعدها على التماسك وتمنع ظهور التشققات على الآنية الطينية، بعد المزج الجيد توضع في قوالب مختلفة الأشكال والأحجام وتبقى فيها مدة 1/4 إلى 1/ 2 ساعة بعد انقضاء المدة تنزع من القوالب بعناية وحرص شديد وتترك لتجف ولكن ليس تماما وإلا أصباح التحكم فيها صعبا جدا ، بعدما يتأكد الحرفي بأن أنيته أصبحت نصف جافة يأخذها ويبدأ في نقشها وتزينها بخطوط يستوحيها من نسخ خيالية ، ثم يصبغها بالون الأسود ويدعكها جيد بقلم الرصاص حتى تبدو برقة ولماعة ،وأخيرا يدخلها الفرن لتكتسب الصلابة والقوة .
وبالإضافة إلى حرفة الفضة والحدادة والطين نجد حرفة الجلود، وتعرف باسم الشرك ومنها جاء اسم الشراك( )؛ أي الاسكافي الذي يصنع الأحذية والنعال من جلود الحيوانات، وهناك حرفة النسيج التي كانت تقوم بها النسوة في البيوت ،فلا يكاد يخلو بيت من بيوت المدينة من المنسج، وهي آلة محلية الصنع تستعين بها المرأة في حياكة الملابس الصوفية التي كان الناس يرتدونها ؛ بسبب ندرة وغلاء الأقمشة والملابس المستوردة من المغرب( )، وحتى سعف النخيل استغله الحرفيون وحوله ببراعة إلى أدوات ولوازم ذات إستخدمات منزلية ،فصنعوا القفاف والأطباق والتدارات( )، وقد خص قصر أولاد داود المجاور لسوق المدينة العام، بإحتضان الحوانيت والدكاكين التي كانت تعج بالحرفيين والصناع .
3- قطاع التجارة وحركة القوافل :
اكتسبت تمنطيط وبفضل وقوعها على جانب الطرق التجارية الرئيسية شهرة كبيرة، فكانت أسواقها مركب العربان وملتقى التجارة وفضاء رحب لتبادل مختلف السلع والمنتجات ،وهو ما أشار إليه صاحب القول البسيط بقوله: «فاعلم أن تمنطيط اسم لمدينة في إقليم توات ،اجتمع فيها العلم والعمارة ،والولاية والديانة والرئاسة ،وانتصبت بها الأسواق والصنائع ، و التجارات والبضائع ،وكذا لا يستغني عنها غني ولا زاهد ،لما فيها من الدين فهي مورد الركبان ،ومحشر العربان ، ورئيسة البلدان ،تنصت لشعرها الجيران ، ويرد بها الظمآن وترتئ بها التجار في الأوان ، ولا يقنع ذو سلعة عرفها إلا بسعرها»( ).
أما ابن خلدون فيقول مشيرا إلى انتقال خط التجارة إليها بعد تعرض القوافل التجارية إلى السلب من قبل القبائل القاطنة على خط الطريق الذي كانت تسلكه قبل إيجاد خط تمنطيط وهذا خلال القرن الرابع هجري : «لما صار الأعراب من البادية يغرون على سابلتها ويعترضون رفاقها فتركوا تلك الطريق أي خط السوس ولاتا ونهجوا الطريق إلى بلاد السود ان من أعالي تمنطيط »( )، فالأمان الذي منحه السكان للقبائل والموقع الجغرافي لتمنطيط بحكم وقوعها وسط الطريق الجنوبي ، جعلا من أسواقها مركزا تجاريا ومحطة للالتقاء القوافل التجارية القادمة من سجلماسة والعائدة إليها من مدينة تمبكتوا ببلاد السودان ومن صحراء التكرور أيضا، كما كانت تأتيها من الطريق الشرقي وهو طرابلس بجاية المنيعة فتمنطيط ثم بلاد السودان،يقول ابن خلدون :«فواكه بلاد السودان كلها من قصور صحراء المغرب مثل توات وتيكوراين....وهناك قبائل من تلمسان ووجده تسمى (دوي عبد الله ) وتنتهي رحلتها في القفار إلى توات وتمنطيط وربما عاجوا ذات الشمال إلى تسابيت وتيكورارين وهذه كلها رقاب السفر إلى بلاد السودان »( ) ، فتمنطيط على هذا النحو كانت تجارتها مرتبطة مع الأقاليم التالية( ):
1- بلاد السودان 2- تافيلالت سجلماسة ومراكز المغرب الأقصى 3-غدامس وغات وطرابلس وجنوب تونس 4-قبائل الطوارق والبربر في جنوب الصحراء 5-أسواق الشمال الجزائري
ولم تكن القوافل لتغادر أسواق المدينة إلا بعد توقيع عقد ما بين الطرفين ،(تجار المدينة والتجار الوافدين مع القافلة ) يحدد فيه سعر البيع وعمولة الوسيط ويصدق عليه من قبل قاضي المدينة( )، وقبل إنطلاق الحافلة تستأجر دليل يكون خبيرا بمسالك الصحراء وفي الغالب يكون من قبائل الطوارق ،يقول ابن خلدون:«....المفازة المجهلة لا يهتدي فيها للسبل ولا عبر الوادي إلا بالدليل الخريت من الملثمين (التوارق) الطواعن بذلك القفر ،يستأجره التجار على البدرقة بهم باوفى الشروط»( )، وقد كان ذهابها وأيا بها يستغرق عدة شهور.
ونظرا لعمارة أسواق المدينة ورخصها وتنوع منتجاتها ، أصبحت مقصدا لقوافل الحجيج المارة بالصحراء في طريقها إلى أرض الحجاز، فحجيج سجلماسة وتافيلالت وشنقيط كانوا يعرجون على أسواق توات لتجهيز قوافلهم بما تحتاج اليه من مؤونة قبل الانطلاق في رحلة الحج ،يقول العياشي : «إن كثيرا من الحجاج لما غلا صرف الذهب في تافيلالت أخروا الصرف إلى توات بان (كذا) الذهب فيها أرخص وكذا سعر القوت من الزرع والتمر ،...ويوجد بها من البضائع والسلع التي تجلت من هناك السودانية شيء كثير »( ).
أما عن ما كان يعرض في هذه الأسواق من منتجات، فنجد التمر و الحناء والحلي والأطباق والتدارات المصنوعة من سعف النخيل وهي سلع محلية، كان تجار السودان يطلبونها بكثرة، ومن السودان يؤتى بالذهب والفضة الخام وريش النعام والعاج واللحوم المجففة والأغنام والكحل والأعشاب الطبية والأدوات الحديدية كالقدور والسكاكين والأسلحة، بعض هذه المنتجات يستهلك محلياً و البعض الآخر يوجه إلى الشمال كريش النعام والعاج والذهب، ومن المغرب كان يؤتى بالخيل والملابس والقماش( )، وكان التعامل يتم بطريقتين إما بالتقايض أو بالنقد المحلي أو الخارج .
لقد عرف سكان تمنطيط الزراعة بفضل نظام الفقارات الذي إستحدثه السكان الأوائل، ومارسوها بشكل كبير في منطقة الواحات و وصلوا إلى حد تحقيق الإكيفاء الذاتي، خاصة فيما يخص إنتاج التمر والقمح والشعير فزراعتهم كانت معاشية بالدرجة الأولى .
كما أهلها موقعها الجغرافي للعب دور المسيط في التجارة بين أسواق شمال المغرب و أسواق السودان الغربي، يقول ابن خلدون :«... وأخرها من جانب الشرق يسمى تمنطيت وهذا بلد مستجر في العمران و هو ركاب التجار المترددين من المغرب إلى بلد مالي من السودان لهذا العهد، ومن بلد مالي إليه.»( )، ويقول أيضاً: « وأما عبيد الله فلابد لهم في كل سنة من رحلة الشتاء إلى قصور توات وبلد تمنطيت ومع ناجعتهم تخرج قفول التجار من الأمصار و التلول حتى يحطوا بتمنطيت ومنها إلى بلد السودان.»( )، وهذا ما ساعد سكان المدينة على النهوض ببعض الصناعات والمهن الحرفية كصناعة الفضة و الصابون وصياغة الذهب، وكان أربابها اليهود إلى جانب صناعة الطين و النسيج والحدادة ومشتقات